logo

الأحدث من إيطاليا تلغراف

وقف إطلاق النار وما وراء الحرب على إيران
وقف إطلاق النار وما وراء الحرب على إيران

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 7 ساعات

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

وقف إطلاق النار وما وراء الحرب على إيران

إيطاليا تلغراف رفيق عبد السلام أخيراً، توقفت حرب الـ12 يوما بين إسرائيل وإيران بعد إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين بوساطة أميركية قطرية، وتحوّل الرئيس الأميركي، ترامب، تبعا لذلك، وبسرعة البرق من محارب شرس إلى داعية سلام وتهدئة، بعدما نصّب نفسه 'وسيطاً نزيهاً ومحايداً' بين طهران وتل أبيب، كان ذلك بعدما نجح نتنياهو في جرّه إلى حلبة الصراع، وتحقيق أكبر حلم ظل يراوده منذ التسعينيات، في ضرب المشروع النووي الإيراني، وقد فعلها ترامب، وأقدم على تحريك طائراته وسفنه الحربية، لضرب المراكز النووية في أصفهان ونطنز وفوردو، وبشّر الأميركان بتحقيق الهدف المنشود، من دون أن يُعلن على وجه الدقة حجم الضرر الذي لحق بالمراكز النووية. رغم الجدل الساخن داخل قواعد الجمهوريين أنفسهم من جماعة الماغا 'لنجعل أميركا عظيمة مجدّداً' وفريق 'أميركا أولاً'، خشية تورّط أميركا في حرب جديدة في الشرق الأوسط، وهي التي ما زالت تعاني من مخلفات اجتياح أفغانستان والعراق طليعة هذا القرن، إلا أن أجندة نتنياهو كانت راجحة في نهاية المطاف، ومن ثم استحال شعار 'أميركا أولاً' إلى إسرائيل أولاً وآخراً، إن لم نقل هنا نتنياهو نفسه أولاً وآخراً. كان ذلك بعد سلسلة من التصريحات التمويهية لترامب ونائبه، إذ تحدّث الرئيس عن مهلة الأسبوعين الممنوحة لطهران، ولكنه باغتها بعد يومين، وزاد على ذلك تصريح نائبه، جي دي فانس، ليلة الغارة الأميركية نفسها بأن إسرائيل تسعى إلى جرّ بلاده إلى الحرب، ولا يجب أن تتورّط في ذلك، وأن يصدر هذا الكلام عن فانس الأكثر تطرفاً وولاء لإسرائيل، فهذا، في حد ذاته، قرينة كافية على أن واشنطن حسمت أمرها باتجاه مشاركة الحليف الإسرائيلي في الحرب. استحال شعار 'أميركا أولاً' إلى إسرائيل أولاً وآخراً، إن لم نقل هنا نتنياهو نفسه أولاً وآخراً إننا إزاء ما يمكن تسميته 'توازن الضعف'، بما أتاح لكلا الطرفين إعلان النصر على طريقته الخاصة، فلا إسرائيل تمكّنت من تحقيق أهدافها الكاملة، ومن ذلك إسقاط النظام وكسر القدرات العسكرية الإيرانية، وعلى الجهة المقابلة تلقّت طهران ضربات مؤلمة باغتيال الصف الأول من القيادات العسكرية والسياسية، ثم رجحان كفّة جيش الاحتلال في الجو، ومع ذلك، تمكّنت من إيلام إسرائيل بتصويب قوتها الصاروخية المتطوّرة نحو المواقع الاستراتيجية في تل أبيب وسائر المدن الإسرائيلية، بما ذكّر بمشاهد الخراب في غزّة، كما تمكّنت من فرض كلمتها بقوة الصواريخ إلى اللحظة الأخيرة. وبموازاة ذلك كله، تستمر حرب الإبادة الجماعية المفتوحة على غزّة منذ نحو سنتين، وقد أضاف إليها نتنياهو وفريقه اليميني ابتكارات جديدة وغير مسبوقة في عالم الحروب بتحويل نقاط توزيع المساعدات الغذائية لما يزيد عن مليونين من المحاصرين والمجوّعين الى مصائد قتل جماعي، حيث يعود بعضهم حاملا كيسا أو كيسين من الطحين على الظهور، ويعود آخرون جثثا محمولة على الأكتاف. وإلى جانب ذلك كله، يستمر استحواذ إسرائيل على أجزاء من جنوب لبنان واستباحة أجوائه وأراضيه، ويتمدّد الجيش الإسرائيلي في المدن والقرى السورية، فيقتل ويخطف من يشاء ووقتما يشاء. وبعد هذا كله، تستدير آلة الحرب الإسرائيلية ضد إيران قصفا وقتلا وتخريبا، بزعم إسرائيل الدفاع عن نفسها ومواجهة خطر إيران النووي، ولا غرو أن تتجمّع الدول الغربية من حولها منفردة ومجتمعة، لتكرّر السردية نفسها، على نحو ما برز في تصريحات الأميركان ومجموعة السبع، ثم في اجتماع جنيف مع وزير خارجية إيران، عباس عراقجي. وفي زحمة دخان الحرب المنبعث من غزّة ولبنان وسورية، وبعدما سكتت الأسلحة مؤقتاً في إيران، يبشّرنا نتنياهو مجدّداً بصنع السلام على طريقته الخاصة، أي فرض سلام الإذعان الذي يصنع بقوة الحديد والنار والإذلال على العرب ومن حولهم، بما يتساوق مع مفهومه لشرق أوسط تكون تل أبيب بمثابة عاصمته الكبرى، حيث يجري التحكّم في حركة الجيوش والاستخبارات ونشاط المال والأعمال. وكان شيمون بيريس قد نظّر من قبله في كتابه 'الشرق الأوسط الجديد' لشرق أوسط يقوم على ما أسماه المال العربي والذكاء الإسرائيلي، ويقصد بذلك العبقرية الإسرائيلية التي تدير المال والأعمال، والغباء العربي الذي يدفع بسخاء 'لسادة' الشرق الأوسط الجدد. أما نتنياهو فيريده شرق أوسط يقوم على فرض الاستيطان وقضم الأرض وأخذ الأموال وصنع المعطيات بقوة الحديد والنار، أي جرّ العرب جرّاً إلى التطبيع وفق نظرية راسخة في الأدبيات الإسرائيلية والميراث الاستعماري الاستيطاني، وملخّصها أن العرب لا يمكن انقيادهم إلا بكسر رؤوسهم وظهورهم بالعصا، نسجاً على منوال سلفه جابوتينسكي المحبّب لقلب نتنياهو، أحد الآباء المؤسّسين للحركة الصهيونية، وصاحب نظرية الجدار الحديدي. الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط لا يعني شيئاً سوى إعادة انتشار عسكري بخلفية تقليل الكلفتين، المالية والبشرية، وليس انسحاباً، مع فرض الوكالة الحصرية لإسرائيل ما كان يريده نتنياهو، وبدعم أميركي خفي ومعلن، هو تفكيك آخر حلقات التوازن في المنطقة، بعدما استكانت العواصم العربية رغباً ورهباً، واستقر في روع أغلبها أن إسرائيل حليف الحاضر والمستقبل في مواجهة شر إيران وجماعات الإسلام السياسي. الهدف القريب والمعلن هنا منع إيران من اكتساب سلاح نووي مزعوم، وهي التي أخضعت منشآتها النووية لأكثر أشكال الرقابة الدولية وأشدّها صرامة عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأعلنت مراتٍ أنها لا ترغب في التحوّل باتجاه الاستخدام العسكري. وقد سبق لمديرة وكالة الاستحبارات الأميركية نفسها، تولسي غابارد، أن قدّمت شهادة موثوقة، ملخصها أن إيران ليست بصدد بناء قوة نووية عسكرية، وأن توجّهات القيادة الإيرانية ضد اكتساب السلاح النووي أصلا، ولكن ترامب ألقى بهذه الشهادة عرض الحائط، لغايةٍ في نفس يعقوب (أو في نفس ترامب). والمفارقة العجيبة أن الدولة التي تريد أن تفكّك سلاح إيران النووي هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك، في أقل التقديرات، 70 رأسا نوويا تحوم فوق رؤوس الجميع، وأحاطت مشروعها بسرّية كاملة، وما يزيد الأمر غرابة أن دولة السبعة ملايين تريد أن تقوض دولة التسعين مليوناً، وتراهن على تقويض نظامها، ومن ثم قيادة فضاء الشرق الكبير الذي لا تشكّل فيه سوى قطرة صغيرة، ولا صلة تاريخية أو ثقافية به. ما تريده إسرائيل يتجاوز إيران نفسها ليطاول إعادة تشكيل الخرائط ورسم الحدود وفق 'سايكس بيكو' جديد، وهو الهدف الذي يلقى دعماً أميركياً وغربياً كاملاً، ويصطدم مثل هذا المشروع 'الطموح'، بالضرورة، بالقوى الإقليمية الوازنة في المنطقة. ولا غرو هنا أن يتحسّس الجيران اليقظون رؤوسهم، ويستشعروا حجم المخاطر المحيطة بهم، فتحدّث وزير خارجية باكستان، محمد إسحق دار، بلسان واضح وصريح، بأن بلاده تقف إلى جانب طهران، بل زاد على ذلك بالحثّ على تقديم الدعم العسكري لها، فإذا كانت إيران مستهدفة بزعم اكتساب مشروع نووي، فإن باكستان تمتلك واقعاً رؤوساً نووية، مكّنتها من حماية نفسها وردع جارها الأكبر منها، ولم يتردّد الرئيس التركي، أردوغان، في المسارعة بإدانة العدوان الإسرائيلي، مع تأكيد أن بلاده تتهيأ لكل الاحتمالات، علما أن مخاوف البلدين ليست مصطنعة أو موهومة، بل هي مبنيةٌ على معطيات وتصريحات أيضاً، حيث بات قادة دولة الاحتلال الأكثر يمينية وتطرّفاً يجاهرون بأن الخطوة المقبلة نزع سلاح باكستان، ويقول بعضهم الآخر إنها تركيا ومنع أردوغان من بناء خلافة إسلامية مزعومة. قيل إن ترامب رجل يريد السلام، ولا يرغب في خوض مغامرات عسكرية، خلافاً لأسلافٍ له في البيت الأبيض، ولكن الواقع يشهد خلاف ذلك، فقد بدأ رحلته في البيت الأبيض بتجديد حرب الإبادة الجماعية على غزّة وترويج 'ريفيرا جديدة' في القطاع المنكوب، بعد تهجير سكّانه، ثم أردف ذلك باتفاقٍ غير معلن مع حليفه نتنياهو على شنّ حربٍ ضاريةٍ على إيران. ما تريده إسرائيل يتجاوز إيران نفسها ليطاول إعادة تشكيل الخرائط ورسم الحدود وفق 'سايكس بيكو' جديد والأقرب للقول هنا إن ترامب لا يريد خوض مغامرات عسكرية مكلفة وغير محسوبة العواقب ضد قوى كبرى، ولكنه إذا وجد فرصة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، للانقضاض على خصم يعتبره ضعيفاً أو أضعف منه في ميزان القوى، فلن يتوانى في مباغتته وسحقه، أو في الحد الأدنى فرض عقد إذعان واستسلام عليه، فما يعجز عن انتزاعه بالبلطجة والترغيب والترهيب ينتزعه بالقوة العارية. وفي السياق، راجت مقولة مضلّلة منذ حقبة الرئيس أوباما، ملخّصها أن الأميركان بصدد الانسحاب من الشرق الأوسط، للتفرّغ لمواجهة التحدّيات العسكرية الكبرى، خصوصاً في جنوب شرق آسيا، هذا في وقتٍ يزيدون في حشد أساطيلهم وطائراتهم ويوسّعون قواعدهم، ولا تقول هذه الرواية إلا نصف الحقيقة، فالانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط لا يعني شيئاً سوى إعادة انتشار عسكري بخلفية تقليل الكلفتين، المالية والبشرية، وليس انسحاباً، مع فرض الوكالة الحصرية لإسرائيل، وتسليمها مفاتيح المنطقة على المنطقة، لضبط حركة الدول والشعوب والتحكّم في مصائرها واتجاهاتها، ولك أن تقول هنا القيام بالمهام القذرة بلسان المستشار الألماني، فريدريش ميرز، نيابة عن أميركا والحلفاء الغربيين. أما العرب، وهنا أتحدّث عن الأنظمة، فلا أثر لهم في معارك تدور على أراضيهم أو على حدودهم، فما بين عاجز لا يقدّم ولا يؤخّر شيئاً، وشامتٍ ينتظر من نتنياهو أن يكمل المهمّة نيابة عنه بالإجهاز على إيران، مثلما انتظر منه قبل ذلك الإجهاز على المقاومة في غزّة، وتخليصه من الصداع الفلسطيني، ومعه منغّصات ما يسمّونه الإسلام السياسي، وما بين واقف في المنطقة الرمادية، منتظراً مآلات الأمور ليركب القاطرة مع المنتصرين القادمين. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

إيران وإسرائيل والشرق الأوسط الجديد
إيران وإسرائيل والشرق الأوسط الجديد

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 8 ساعات

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

إيران وإسرائيل والشرق الأوسط الجديد

إيطاليا تلغراف د. عُمر عبد الله محلل سياسي وباحث استراتيجي مختص بالشأن الفلسطيني مدخل لا بدّ منه منذ أكثر من أربعة عقود، وتحديدًا بعد قيام 'الجمهورية الإسلامية' في إيران بقيادة آية الله الخميني وانتهاء حكم الشاه، بدأت ملامح سياسة جديدة في التبلور. إذ سرعان ما أعلن الخميني، في أكثر من مناسبة، أن 'إسرائيل' تُعدّ غدة سرطانية في قلب العالم الإسلامي، ولا بدّ من استئصالها. وكانت أولى خطوات تغيير السياسات هي تحويل السفارة الإسرائيلية في طهران إلى سفارة لفلسطين، وتسليمها إلى الراحل ياسر عرفات. وهذا يشير، بغض النظر عن أي تحليلات حول نوايا الجمهورية الإسلامية، إلى أنّ لفلسطين حضورًا قويًا في السياسة الإيرانية. ولم يتوقف الأمر لإثبات ذلك عند الشعارات، فقد شرعت الجمهورية الإسلامية منذ أواخر السبعينيات في بناء علاقات مع حركات التحرر الفلسطينية، بما في ذلك حركة فتح بقيادة ياسر عرفات. وقد شهدت شوارع طهران حينها أضخم التظاهرات المؤيدة لفلسطين خلال زيارة عرفات. وتطوّرت شبكة العلاقات بين الجمهورية الإسلامية وحركات التحرر الفلسطينية تدريجيًا لتأخذ طابعًا مميزًا، ولا سيما مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي. ولم يكن خافيًا أنّ الجمهورية الإسلامية أصبحت الداعم الرئيسي لحركات المقاومة في فلسطين، وخصوصًا هاتين الحركتين. انطلاقًا من هذا المدخل، يمكن فهم أن علاقة الجمهورية الإيرانية بفلسطين، في عهد الخميني ومن بعده خامنئي، تختلف جذريًا عن علاقتها بفلسطين في عهد الشاه، حين كانت إيران من أبرز الحدائق الخلفية للموساد الإسرائيلي، وعملاء الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط. ويساعدنا هذا المدخل على فهم ما يجري اليوم، وربما ما سيجري مستقبلاً، بين الجمهورية الإسلامية ودولة إسرائيل، باعتبار الأخيرة دولة احتلال لفلسطين، التي تُعدّ أرضًا محتلة يجب تحريرها، حسب العقيدة الإيرانية الراسخة، ولا سيما لدى المرشد الأعلى والحرس الثوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لماذا الحرب على إيران الآن؟ فكرة مهاجمة الجمهورية الإسلامية ليست حديثة العهد. فنتنياهو لم يستيقظ فجأة على حلم قرر إثره مهاجمة إيران. بل إنّه كان يطرح هذه الفكرة منذ ما لا يقل عن خمسة عشر عامًا، محذرًا في كل محفل من أن 'إيران قاب قوسين أو أدنى من امتلاك السلاح النووي'، وهو ما اعتُبر في العقل الإسرائيلي التهديد الأكبر لدولة إسرائيل. لكن التردد الإسرائيلي في الإقدام على هذا الهجوم كان نابعًا من القلق من ردّة فعل حلفاء الجمهورية الإسلامية في المنطقة، إذ كان من المحتمل، في حال نشوب حرب، أن تُفتح جبهات عديدة على امتداد ما يسمى بـ'محور المقاومة'. فكان التريث، بانتظار الفرصة الأنسب للهجوم على إيران، هو سيدَ الموقف لدى إسرائيل دون أن تتخلى عن طموحاتها في التمدد الإقليمي. إسرائيل والطوفان وعنصر المباغتة! لم يكن سرًا أن كتائب القسام أعلنت مرارًا امتلاكها معلومات استخباراتية، أقرّ بحقيقة مضمونها بعض القادة العسكريين والأمنيين في إسرائيل، تشير إلى أن الاحتلال كان يخطط لشنّ هجوم واسع ومباغت على حركات المقاومة، في محاولة لإضعاف النفوذ الإيراني، يبدأ من غزة، عبر استهداف حركتي حماس والجهاد، والقضاء على قياداتهما. غير أن المقاومة، وخصوصًا حركة حماس، استبقت الهجوم بهجومٍ مفاجئ أسمته 'الطوفان'، لا تزال تداعياته ممتدة إلى اليوم. ومع تصاعد الصدمة الإسرائيلية من هذه الضربة، بدأ المشروع الصهيوني يتكشّف علنًا، بإعلان نتنياهو المتكرّر أنه ماضٍ في 'تغيير الشرق الأوسط' باتجاه 'شرق أوسط جديد'. وكان قد كشف ملامحه في كلمته أمام الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2023، قبل 'الطوفان' بأسابيع، متحدثًا عن 'إسرائيل الكبرى الجديدة'. وكانت الولايات المتحدة تقف خلف هذا التوجه، مدعومة ببعض الحلفاء الفاعلين في الإقليم. الشرق الأوسط الجديد! فكرة 'الشرق الأوسط الجديد' ليست جديدة. فقد تحدّث عنها شيمون بيريز، رئيس الوزراء السابق لدولة الاحتلال، في كتابه المعروف بهذا الاسم. وكان بيريز يرى أن تحقيق السلام والرخاء الاقتصادي مع الدول المجاورة، وبشكل عام في الإقليم، هو السبيل لتحقيق هذه الرؤية. لكن هذه الفكرة تعثرت لأسباب عدّة، أهمها وجود حركات مقاومة، خصوصًا في فلسطين، التي تبنّت نهج 'وحدة الساحات' كإستراتيجية في نضالها ضد الاحتلال. ومع مرور أكثر من قرن على اتفاقية سايكس بيكو، واهتراء أنظمة التجزئة في المنطقة، ظهرت رغبة إسرائيلية قوية في فرض 'شرق أوسط جديد' يمنحها قرنًا آخر من السيطرة. ومضى الأمر لتحقيق ذلك فيما يشبه توزيع الأدوار: أميركا تركز على جبهتي أوروبا وروسيا، وتراقب صعود الصين، بينما تتولى إسرائيل مهمة مواجهة حركات المقاومة في المنطقة. لكن السؤال: هل سينجح مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ لنجاح هذه الفكرة، لا بد من تحقق أربعة محددات أساسية: وجود رغبة حقيقية لدى أميركا وإسرائيل. توافر أنظمة فاعلة لدعم وتحقيق الفكرة. القضاء على حركات المقاومة في الإقليم، إلى جانب مناصريها. غياب الوعي الشعبي العربي والإسلامي، إضافة إلى دعم الأحرار حول العالم. وعند تأمل هذه المحددات، يتبين أن الأول منها فقط هو المتحقق، أما البقية، وخصوصًا القضاء على المقاومة، فهي مستبعدة. فالمقاومة، رغم كل ما تعرّضت له خلال العامين الماضيين، ما تزال حيّة، وتخوض حرب استنزاف تؤلم الاحتلال. فهل يعقل أن يعجز الاحتلال عن القضاء على مقاومة صغيرة في غزة، ثم ينجح في القضاء على دولة بحجم إيران؟ هل ستنتهي إيران الآن؟ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن أبدًا بعيدًا عن مشروع 'الشرق الأوسط الجديد' بشكل أو بآخر، فسياساته ساهمت في تشكيل مناخ وظروف المنطقة.. فقد اختار الانسحاب من الاتفاق النووي في ولايته الأولى، وكان أبرز الداعمين لإسرائيل، بنقل سفارة بلاده إلى القدس، والاعتراف بالجولان كجزء من إسرائيل. ولكنه في ذات الوقت، رفع في الأشهر الأخيرة شعار الدبلوماسية والحوار مع الجمهورية الإسلامية ووضع سقفًا زمنيًا مدته شهران للوصول إلى اتفاق على المقاس والمعايير الأميركية. وفيما خفي من الصورة، ظل التنسيق بين واشنطن وتل أبيب قائمًا بشأن مفاوضات إيران، التي اعتُقد أنها ستكون هدفًا سهلًا يمكن الانتهاء منه خلال أيام قلائل، كما حدث مع حزب الله في لبنان. لكن هذا التصور أغفل أن إيران، التي ترفع شعار تدمير إسرائيل منذ أكثر من أربعة عقود، لا يمكن أن تكون نائمة طوال تلك العقود لتصبح 'لقمة سائغة'. ومع انقضاء المهلة التي منحها ترامب، وجّهت إسرائيل ضربة مباغتة ومكلفة لإيران، كشفت عن اختراق أمني خطير داخل الجمهورية الإسلامية. لكنها، رغم ذلك، استوعبت الضربة سريعًا وبدأت بالرد، فوجدت إسرائيل نفسها في مأزِق، طالبةً التدخل الأميركي. ودخلت أميركا الحرب! اندلعت الحرب، وبدأت جولات قتالية متعددة بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية. لم تستطع إسرائيل تنفيذ ضربة فعّالة على المنشآت النووية الإيرانية دون دعم مباشر من الولايات المتحدة، التي لم تكن غائبة منذ البداية، بل شاركت سياسيًا، إعلاميًا، أمنيًا، ولوجيستيًا. وتحقّق التدخل العسكري المباشر، الذي سبقته خدعة 'مهلة الأسبوعين'. فجاءت الضربة المفاجئة فجر السبت على مفاعلات فوردو ونطنز وأصفهان، والتي تنوّعت التقارير بشأن مدى الضرر الفعلي الذي أصابها. ورد ترامب بالدعوة للسلام والعودة إلى طاولة المفاوضات، على طريقة: 'السلام بالقوة'. وردّت إيران مساء الاثنين بقصف محدود على قاعدة العديد في قطر، التي كانت قد أُخليت مسبقًا. لكن إيران لم توسّع نطاق ردّها ضد أميركا، وركّزت في المقابل على مواصلة قصف إسرائيل، دون أن تلمّح إلى نية وقف الحرب. وهنا، أتصور أن هناك مجموعة من الأسباب جعلت الإيراني لا يتجه إلى توسيع مساحة الرد على القواعد الأميركية في المنطقة، وهذه الأسباب هي: عدم رغبة إيران في الدخول في مواجهة مباشرة مع أميركا، لإدراكها حجم الرد المحتمل. عدم استعداد القوى الصديقة لإيران لخوض مواجهة مع أميركا، مما أضعف موقفها. تراجع قدرة بعض حلفاء إيران، الذين كانت تعوّل عليهم. اختراق أمني محتمل داخل إيران حال دون اتخاذ قرار بالمواجهة المفتوحة. صباح الثلاثاء، أعلنت قطر عن وساطة بطلب أميركي، للضغط على إيران لوقف إطلاق النار مع إسرائيل. وأظن هنا أن إسرائيل بحاجة أكبر من إيران لوقف إطلاق النار، لأسباب منها: عجز إسرائيل عن تحمل خسائر الضربات الإيرانية المتكررة. عدم رغبتها في خوض حرب طويلة، بينما تقول إيران إنها مستعدة لها. بقيت نقطة ما بعد وقف إطلاق النار، فهل سيذهب الإيرانيون للمفاوضات أم لا؟ من المرجّح أن إيران ستقبل الذهاب إلى المفاوضات، ولكن ليس بمنطق المستسلم كما أراد ترامب، بل كطرف يشعر بالنصر لصموده في وجه إسرائيل وأميركا معًا، وأفشل محاولة إسقاط النظام عبر خلايا داخلية دُرّبت لهذا الغرض. ستتفاوض إيران، لكنها ستُبقي طلقة رصاص جاهزة في مسدسها، تحسّبًا لأي تصعيد تقوم به دولة الاحتلال. هذه جولة من جولات الصراع بين دولة الاحتلال والجمهورية الإسلامية، وهي ليست نهاية الحرب. بل سيتبعها جولات عديدة قادمة، لا أظن أن المسافات ستطول بينها. وهي جولات تهدف إلى مشاغلة العدو، والوقوف في وجه فكرة الشرق الأوسط الجديد. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

فرص نجاح حكومة السودان الجديدة
فرص نجاح حكومة السودان الجديدة

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 8 ساعات

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

فرص نجاح حكومة السودان الجديدة

إيطاليا تلغراف د. ياسر يوسف إبراهيم كاتب في العلاقات الدولية بعد طول ترقّب، أعلن رئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس تعيين وزيرَي الدفاع والداخلية في حكومته المنتظرة دون الإفصاح عن الموعد المحدد لإعلان بقية حقائب الحكومة، الأمر الذي يعكس حجم التعقيدات التي تواجه مشاوراته مع فرقاء الساحة السياسية، وبالأخص الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا قبل خمس سنوات. وكان رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان قد كلّف إدريس بمهام رئيس الوزراء بعد ما يقارب أربع سنوات من قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول والتي قضت بحل الحكومة حينذاك وفضّ الشراكة مع قوى الحرية والتغيير، وظلّ الموقع شاغرًا طوال هذه المدة، مما أدى إلى تعميق المشاكل في جهاز الخدمة العامة، وإحداث التسيب في أدائها. وعلى الرغم من تردد اسم كامل إدريس مبكرًا فإن توازنات اللعبة السياسية داخليًا وخارجيًا أخرت تولّيه هذا المنصب المهم خمس سنوات، ويأتي تعيينه وسط تحديات كبيرة تواجه السودان، خاصة بعد اندلاع الحرب التي تشنها مليشيا الدعم السريع على الشعب السوداني والتي تجاوزت العامين مخلفة مآسي إنسانية هائلة، ووضعًا اقتصاديًا مزريًا، وتمزقًا في المشهد السياسي وخلافات عميقة بين المكونات الاجتماعية السودانية المختلفة. فقد أضافت الحرب الحالية صعوبات أخرى جديدة على الأوضاع الموروثة أصلًا في هذا البلد الذي مزقته الصراعات وأخرت مشاريع التنمية فيه، وبما أن الدكتور كامل إدريس لا ينتمي للنادي السياسي المعروف تاريخيًا في السودان بتوزيع الولاءات والانتماءات بين القوى السياسية المتناحرة، حيث إنه لا ينتمي لأي حزب سياسي، بل ظلّ خارج السودان حتى بعد انتهاء فترة تكليفه بقيادة المنظمة العالمية للملكية الفكرية، فإن ذلك قد يكون عامل قوة وضعف في نفس الوقت. ففي بلد مثل السودان الذي تلعب فيه العوامل الاجتماعية والقبلية دورًا مؤثرًا في تشكيل المشهد السياسي يحتاج المرء إلى معرفة الديناميات التي تحكم ذلك التنوع القبلي والإثني، ومن ثمّ ترتيب الأمور على نحو يضمن التوازن ويحقق الرضا، بينما يرى آخرون أن عدم تصنيف كامل إدريس وانتمائه لأي حزب قد يعفيه من كثير من الالتزامات التي تقع على الأحزاب كونها تتشكل من خلفيات اجتماعية شتى وملزمة بإحداث التوافق والتوازن في التمثيل. كل هذه الأمور تطرح تساؤلًا مركزيًا عن فرص نجاحه وسط هذه الأمواج العاتية والتحديات الكبيرة. وضع عسكري مقلق وملفات مدنية شائكة لعل التحدي الأبرز الذي يواجه الدكتور إدريس هو الوضع العسكري والأمني في البلاد، وعلى الرغم من أن هذا الملف تقع مسؤوليته بصورة مباشرة على مجلس السيادة والقوات المسلحة السودانية، ولكن تفاصيل إدارته وآثاره العملية والإنسانية ستؤثر وبشدة على فرص نجاح هذه الحكومة التي لم تعلن بعد. ومن مدينة بورتسودان – ألف كيلومتر شرق الخرطوم العاصمة – العاصمة الإدارية حاليًا أعلن إدريس أن من أولويات حكومته العودة ومباشرة المهام من العاصمة الخرطوم، ومع أهمية هذا الهدف وتعلق قلوب ملايين السودانيين به، هل بإمكان الحكومة تحقيقه في المدى القريب؟ عمليًا لا تزال حرب المليشيا على الشعب السوداني مستمرة، وصحيح أن الجيش والقوات التي تسانده نجحوا وبعد تضحيات كبيرة في هزيمة المليشيا وطردها من ولايات: سنار، الجزيرة والخرطوم، ولكن المليشيا اعتمدت تكتيكًا آخر وهو مهاجمة هذه المواقع عبر المسيرات الإستراتيجية واستهداف البنية التحتية، وخاصة خدمات الكهرباء والمياه؛ بغرض تعطيل خطة الحكومة الرامية لتطبيع الأوضاع العامة، والعمل على إعادة ملايين النازحين واللاجئين إلى بيوتهم، هذا فضلًا عن استمرار معركة الكرامة في ولايات كردفان، حيث تحقق متحركات الجيش تقدمًا ملحوظًا على الأرض. وعلى الرغم من التحالف الذي نشأ بين المليشيا وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو، نجح الجيش في تحقيق انتصارات متتالية في مدن كردفان، واستعاد بعض المناطق من حركات التمرد هناك، وفي دارفور تسيطر المليشيا على أربع ولايات بينما تحتدم المعارك حول الفاشر وتخومها في ولاية شمال دارفور. وقد شكل صمود الفاشر والتضحيات التي قدمتها القوات المسلحة مسنودة بالقوات المشتركة- وهي قوة قتالية فعالة تتكون من حركات دارفور الموقعة على اتفاق جوبا- إفشالًا لخطط المليشيا بإعلان حكومة موازية تكون الفاشر عاصمتها. ولا يقل الملف الاقتصادي تعقيدًا عن الملف العسكري والأمني، حيث خلّفت الحرب وضعًا معقدًا وغاية في الصعوبة، فقد استهدفت مليشيا الدعم السريع وبشكل ممنهج كل المؤسسات الاقتصادية من مصانع وبنوك ودمرتها تدميرًا شاملًا في العاصمة الخرطوم، وهناك تقديرات أولية تقول إن حجم الخسائر يتجاوز 215 مليار دولار في القطاعين: الصناعي، والزراعي وحدهما، بينما تقول تقارير المنظمات الإنسانية إن 70% من المستشفيات والمؤسسات الصحية خارج الخدمة حاليًا والخسائر في البنية الصحية تقدر بحوالي 11 مليار دولار. كما أن المليشيا قامت بعمليات نهب واسعة ومنظمة استهدفت ممتلكات المواطنين ومدخراتهم، بجانب تخريب خدمات المياه والكهرباء وسرقة معدات الطاقة والمحولات الكهربائية، والتحدي الأبرز في هذا المحور هو في كيفية إعادة تشغيل النظام الاقتصادي وإعادة بناء، منظومته اللوجيستية، وضمان توفير المطلوبات العاجلة لتحريك عجلة الاقتصاد. إنسانيًا تقول الأمم المتحدة إن الوضع في السودان يعتبر الأسوأ عالميًا، حيث تسببت الحرب في مقتل ما بين 70 ألفًا إلى 100 ألف قتيل من المدنيين، وتجاوز عدد النازحين واللاجئين لدول الجوار عشرة ملايين، وتوقفت العملية التعليمية لأكثر من ستة ملايين تلميذ، وأكثر من 700 ألف طالب جامعي. إعلان وبعد تحرير الخرطوم بدأت عودة المواطنين لمنازلهم، ولكن لا تزال الشكوى قائمة من انعدام الخدمات الأساسية، خاصة بعد استهداف مليشيا الدعم السريع محطات المياه والكهرباء بالمسيرات الحربية، ويقول والي ولاية الخرطوم إن حكومة الولاية قادرة على توفير الأمن والخدمات. وتتزايد الأزمة الإنسانية في ولايات دارفور وبعض مناطق ولايات كردفان، حيث لا تزال المعارك دائرة، مما يضعف قدرة المواطنين على الوصول لمزارعهم وممارسة نشاطاتهم الاقتصادية المطلوبة. مشاورات صعبة لتشكيل الحكومة يحتاج رئيس الوزراء كامل إدريس تجاوز عتبة التشكيل الوزاري للوصول إلى الملفات الصعبة ومباشرة مهامه، ولا تبدو خطوة تجاوز تلك العتبة سهلة، خاصة أن أطراف اتفاق جوبا، وأبرزهم حركة العدل والمساواة برئاسة الدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية، وحركة جيش تحرير السودان برئاسة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور تصرّ على الاحتفاظ بنفس الوزارات المهمة كالمالية والمعادن والتي ظلت تشغلها منذ التوقيع على اتفاق جوبا في 2020. بينما يرى رئيس الوزراء والدائرة المحيطة به أن الحكومة ملزمة فقط بنسبة الـ 25% التي نصت عليها اتفاقية جوبا للسلام دون النص على وزارات محددة، وتقول تقارير صحفية إن رئيس مجلس السيادة تدخل في المشاورات لتقريب وجهات النظر ومحاصرة عوامل الاختلاف. أدى الفراغ في موقع رئيس الوزراء إلى مشاكل في الخدمة المدنية اضطر معه مجلس السيادة لممارسة بعض الصلاحيات التنفيذية في الفترة الماضية، وتحتاج مستويات الحكم لإعادة تنظيم الاختصاصات بما يخلق الانسجام ويؤسس للتعاون البناء دون تدخل من أحد الأطراف في صلاحيات الآخر. وعلى كل فإن المهمة المركزية أمام رئيس الوزراء وحكومته المرتقبة هي استعادة عمل أجهزة الدولة لتعمل بكفاءة وقدرة تمكنها من إعادة تفعيل ديوان الخدمة العامة، والعمل على نقل الحكومة للعاصمة القومية الخرطوم، وهو ما يتطلب وبصورة عاجلة دعم قوات الشرطة والأمن وأجهزة العدالة كالنيابة والقضاء لتقوم بدورها، إذ مع بداية عودة النازحين لمنازلهم برزت مشكلة التفلتات الأمنية في الخرطوم من مجموعات كانت تعمل مع الدعم السريع التي قامت إبان سيطرتها على الخرطوم بإطلاق سراح آلاف الموقوفين في السجون وتسليحهم في معركة عدوانها ضد الشعب السوداني. كما أن الحكومة بحاجة عاجلة لخطة اقتصادية إسعافية تركز على الإسراع بتحريك عجلة الإنتاج في محاور الزراعة والصناعة والاستثمار، وتوظيف الموارد المتاحة كالذهب والبترول والموانئ؛ لتوفير الأرضية المناسبة لانطلاق برنامج إعادة الإعمار الكبير. وفي الوقت الذي تخوض فيه القوات المسلحة معركة الكرامة ضد المليشيا فإن الحكومة مدعوة لبذل الجهد الكبير لتوفير مظلة الدعم الداخلي والخارجي من أجل استكمال تحرير البلاد وهزيمة مشروع المليشيا. وهي ليست مهمة سهلة خاصة في ظل التصعيد الخطير الذي شهدته الحرب في الأسبوع الماضي باحتلال المليشيا منطقة المثلث الحدودي الإستراتيجية التي تتوزع بين السودان، ومصر، وليبيا، وذلك بمساندة من مليشيات ليبية مدعومة من خليفة حفتر، وعلاقات مضطربة مع دول الجوار في تشاد وجنوب السودان وكينيا التي توفر ملاذًا لقيادات المليشيا العسكرية والسياسية، ويزداد التحدي في هذه النقطة من سعي المليشيا لإنشاء حكومة موازية في دارفور والمناطق التي تسيطر عليها على غرار التجربة الليبية. وعلى الرغم من فشلها حتى الآن في ذلك، فإن الأمر يتطلب تحركًا دبلوماسيًا فاعلًا يحاصر المليشيا ويقضي على طموحاتها السياسية، وما يشجع في هذا الأمر هو الترحاب الذي قوبلت به خطوة تعيين رئيس الوزراء من قبل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وأطراف إقليمية عدة. ويرجح أن يعود السودان عضوًا فاعلًا في الاتحاد الأفريقي بعد رفع تجميد عضويته منذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول قبل أكثر من ثلاث سنوات، وفي مارس/ آذار الماضي أدان الاتحاد الأفريقي محاولات المليشيا إقامة حكومة موازية، وهو ما اعتبره المراقبون تحولًا في الموقف الأفريقي نتيجة التغيير الذي تم في رئاسة المفوضية والجهود الكبيرة التي اضطلع بها مندوب السودان في المنظمة الأفريقية المهمة، وفي ظل تراجع الحديث عن الحلول السياسية تحتاج الحكومة لصياغة مشروع متكامل للتعامل مع المستجدات المتوقعة في هذا الإطار. وبعد الفراغ من المهام العاجلة تنتظر الحكومة المقبلة مهمة كبرى، وهي كيفية تهيئة البلاد نحو الوضع السياسي الطبيعي، وإنهاء حالة الانتقال الهشة التي استطالت منذ سقوط النظام السابق في أبريل/ نيسان من العام 2019، وكان من المرجح أن تنتهي بالانتخابات بعد أربع سنوات. والتحدي الأبرز هنا هو في تفكك الحاضنة السياسية التي تقف خلف الجيش، وفشلها في تكوين تحالف مرن يمكنها من الدفع السياسي والاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب، وتحتاج الحكومة والمجلس السيادي تعميق التشاور مع الأطراف السياسية؛ لتنظيم الحوار السوداني- السوداني الذي وعد به رئيس الوزراء في أول خطاب له بعد أداء القسم، وذلك للنظر في كيفية التحول نحو الانتخابات وإنهاء حالة الانتقال، وفي خضم ذلك تطل قضايا لا تقل أهمية مثل رتق النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب، وخطاب الكراهية الذي انتشر بصورة كبيرة بين المكونات الاجتماعية. وعلى كلٍّ فإنه يبدو أن رئيس الوزراء محيط بكل تلك الصعوبات، فقد خرج مخاطبًا الشعب السوداني ليحدد أولويات حكومته وخطتها لاستعادة الاستقرار ومسار بناء الدولة، ومن خلال ذلك البيان أطلق شعار الأمل ليكون عنوانًا لبرنامج حكومته المنتظرة، كما أنه خاطب أجهزة الإعلام داعيًا إياها لمساعدة الحكومة على استقاء الأخبار من مظانها وعدم تعميق الخلاف بين المكونات الوطنية. ويحتاج رئيس الوزراء إلى الإسراع بإعلان حكومته، فالشعب ينتظر العمل على الأرض والإنجازات التي تمكنه من العودة إلى دياره واستئناف حياته، ولن يكفي شعار الأمل وحده لتحقيق تلك التطلعات الكبيرة، ولذلك لا يزال كثير من المواطنين يتساءل متى سيبدأ العمل. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ
كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 8 ساعات

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

كنيسة مار الياس: بين بطريرك غاضب و«مؤرّخ» هاوٍ

صبحي حديدي نشر في 26 يونيو 2025 الساعة 22 و 58 دقيقة إيطاليا تلغراف صبحي حديدي كاتب وباحث سوري يقيم في باريس في 23 حزيران (يونيو) الجاري نشر «المؤرخ» السوري سامي مبيّض مقالة جزمت بأنّ التفجير الإرهابي الذي طال مؤخراً كنيسة مار الياس، في منطقة الدويلعة من العاصمة السورية دمشق، هو «الأوّل من نوعه منذ 1860»؛ أي منذ أحداث ما يُعرف باسم «طوشة النصارى» التي شهدت أعمال عنف دامية ضدّ المسيحيين في حي باب توما وبعض أرجاء حيّ القيمرية ذات الأغلبية المسيحية، فسقط عشرات الضحايا، وانتُهكت مقدسات وأماكن عبادة. وكان مبيّض قد أصدر، في سنة 2021، كتاباً حول تلك الفتنة، بعنوان «نكبة نصارى الشام أهل ذمة السلطنة وانتفاضة 1860»؛ وبالتالي لم يتردد في القفز على عملية كنيسة مار الياس الإرهابية، وأطلق الاستنتاج القاطع بأنّ ذلك الاستهداف كان الأوّل منذ «الطوشة». ليس هذا السلوك جديداً على «مؤرّخ» هاوٍ، كدّس مراراً سلسلة فاضحة من الأخطاء والحماقات عن التاريخ السوري؛ بعضها كان يتعمد تسطيح الأحداث والوقائع على نحو يجنّبه المساءلة، كما يقرّبه من نظام بشار الأسد، ومن مؤسسة «وثيقة وطن» التي كانت تديرها بثينة شعبان. وهو صاحب النماذج التالية من النبوءات: «في سوريا، لا أحد توقّع أنه سيأتي يوم يخرج فيه المتظاهرون إلى الشوارع، مطالبين بتغيير النظام، من وحي الربيع العربي في تونس، وليبيا، ومصر»؛ أو: «لا أحد تخيّل أنّ الدولة سوف تُجبَر، تحت ضغط المتظاهرين الغاضبين أنفسهم، إلى تغيير الدستور». فإذا تصفّح المرء كتابه «فولاذ وحرير: رجال ونساء صنعوا سوريا 1900 ـ 2000»، الذي صدر بالإنكليزية سنة 2006، فسيجد معلومات من هذا النوع، تُنقل هنا بالحرف تقريباً: ـ زكريا تامر روائي سوري، له 75 رواية (نعم، رواية!) وهو يُعتبر أبرز كتّاب أدب الأطفال في العالم العربي. ـ رياض الترك صاحب خطّ ماويّ، اختلف فيه مع خالد بكداش؛ واعتُقل سنة 1980 وأفرج عنه سنة 1998 بعد أن تعهّد بـ «ترك السياسة وقضاء ما تبقى من حياته في سلام وأمان». ـ بثينة شعبان في طليعة كتّاب وفناني سوريا الحديثة والمعاصرة. وبعد نشر مقالة مبيض، كان يوحنا العاشر يازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يؤبن ضحايا التفجير الإرهابي، فشدد بدوره على أن هذه المجزرة هي الأولى ضدّ المسيحيين منذ «طوشة الشام»، حسب تعبيره. وليس المرء واثقاً من أنّ غبطته استند على «المؤرّخ»، بالنظر إلى أسبقية تاريخ نشر مقالة الأخير؛ أو أنه يتبنى الصلة أصلاً، من دون حاجة إلى سند راهن. وفي الحالتين، تجاهل مبيض والبطريرك حقائق ساطعة، برهنت عليها أدلة دامغة، حول عشرات الحالات من استهداف الكنائس ودور العبادة المسيحية، ابتداءً من آذار (مارس) 2011: من جانب النظام أوّلاً (40 واقعة) والجماعات المتشددة (7) وتنظيم داعش (6) وجبهة النصرة (1) وفصائل في المعارضة المسلحة (14)… وكلّ هذا موثق بالتفاصيل في تقرير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان». وإذا كان أمراً مألوفاً أنّ «المؤرّخ» لم ينبس ببنت شفة حول «تأريخ» تلك الوقائع العنفية بحقّ الكنائس، فما بالك باستنكارها أو ربطها بأي «طوشة» سابقة؛ فإنّ المستغرب، في المقابل، هو الصمت المطبق الذي التزمه البطريرك يازجي إزاء تلك الانتهاكات الصارخة بحقّ مواطنيه وأبناء رعيته ودور عبادتهم. فإذا كان الارتهان للسلطة لدى «المؤرّخ»، وما ترافق معه من تدوين براءات الذمة لجرائم النظام وأجهزته وجيشه، هما بعض السبب؛ فما الذي أعاق غبطته عن النطق بالحقيقة في وجه المعتدين، أجمعين، وأياً كانت هوياتهم السياسية والتنظيمية والعقائدية؟ ثمّ إذا صحّ، بالفعل، أن انطواء صفحة «الحركة التصحيحية» مكّن البطريرك اليوم من حقّ التعبير الصريح، أسوة بسائر أبناء سوريا الجديدة؛ أفلا يُنتظر منه، هو في مقام أوّل، أن يمارس هذا الحقّ كاملاً متكاملاً غير منقوص، فيشير إلى جرائم الماضي والحاضر معاً؟ ليست هذه السطور المقامَ المناسب لإعادة فتح ملفات «طوشة 1860»، سواء لجهة توصيفها الأقصى كاحتراب أهلي ضيّق النطاق وقصير الأمد؛ أو البحث في جذور الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبينها خلفيات صناعة الحرير (وكانت «ثقيلة» في تلك الأيام!)؛ وصلاتها المحتملة مع عزل بشير الثاني، واضطرار بعض مسيحيي المشرق إلى البحث عن راعٍ غربي فرنسي؛ وما إذا كانت كتابات بطرس البستاني، وفصول «نفير سوريا»، معينة على جلاء الكثير من الغموض والالتباس أو التحريف التلقائي… المقام، في المقابل، يستلزم المساجلة ضدّ الخلط المتعمد بين جريمة إرهابية، تمثّل عقلية جهادية إسلامية أصولية إرهابية، لا تغيب عن بواعثها كراهيةٌ ضمنية للآخر المختلف عموماً وللمسيحيين خصوصاً، في قطب أوّل؛ وبين تلميحات تجمع الغمغمة إلى الغمز إلى التلميح حول الجريمة ذاتها بوصفها غير مسبوقة إلا في سنة 1860، أو أنها تستهدف المكوّن المسيحي في قلب الاجتماع الوطني السوري، وتمهّد استطراداً لاحتراب أهلي، في قطب ثانٍ. للمرء أن يتفهم شيوع هذا الخلط على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الحابل قرين النابل من دون أيّ ضوابط ومعايير تضمن تحكيم العقل والمسؤولية. بيد أنّ الأمر يختلف، وبالتالي يستوجب السجال والاعتراض والمناهضة، حين يشترك في إذكاء اللهيب «مؤرّخ» هاوٍ بائس، وبطريرك غاضب يتغافل عامداً عن جرائم سابقة كانت رعيته ضحية لها. وهذه سطور لا تزعم امتلاك أي طراز من المعطيات حول اتكاء البطريرك على «المؤرّخ»، بل لا ترى دلالة إضافية في النفي أو الإيجاب بصدد الصلة بين المقالة وخطبة التأبين؛ لأنّ الاتفاق على اقتباس «الطوشة» إياها بصدد الجريمة الإرهابية ضدّ كنيسة مار الياس الدمشقية، بعد 165 سنة وسياقات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وطائفية متغيّرة، جوهرياً في كثير منها؛ إنما ينتهي إلى الإضرار بالقراءة العقلية والوطنية للواقعة الثانية، وإعادة قراءة الواقعة الأولى على نحو شديد الاختزال وبالغ الأذى. وفي مناخات كهذه، قد لا يعدم المرء «قراءة» أخرى نسيج وحدها، كما يُقال، تفتح بوّابة منفلتة الحدود والأبعاد، وتفترض ما هو أبعد بكثير من اعتداء إرهابي همجي ضدّ مصلّين في كنيسة: أي إلى احتراب سوري أهلي/ أهلي، بين مسلمين ومسيحيين عموماً، بما يقبل استسهال التوسيع نحو حضور و/ أو غياب التنويعات داخل المكوّن الواحد (سنّي أساساً، أي ليس علوياً أو درزياً أو إسماعيلياً) في مواجهة مكوّن واحد (مسيحي أرثوذكسي أساساً، أي ليس كاثوليكياً أو بروتستانتياً)؛ وهنا درجة قصوى من خبط العشواء في قسر الاجتماع الوطني السوري داخل هندسة دينية ومذهبية افتراضية وصمّاء. مفهوم تماماً، بالطبع، أن تنطوي خطبة البطريرك على مشاعر شتى عاطفية، بينها الغضب والأسى والتفجع والترحّم؛ وغبطته محقّ في ملامة سلطات الأمر الواقع، فالرئيس الانتقالي مسؤول في المقام الأول عن انفلات الأمن في بلد يزعم أنه يقود انتقاله من عقلية الثورة/ الفصيل إلى عقلية الدولة/ المؤسسة. غير مفهوم، في المقابل، وهو بالتالي غير مفيد إذا لم يكن يُلحق الأذى، أن تستبطن الخطبةُ أيّ معنى فئوي في التحريض أو التحشيد؛ ليس بحقّ السلطة وحدها، وإلا لأمكن تفهّم النبرة، ولكن بحقّ اجتماع وطني سوري ظلّ المسيحيون فيه أبناء متساوين مع أشقاء لهم مسلمين، بصرف النظر عن الطوائف والمذاهب. هنا العتبى على غبطته، ومنها أيضاً يُستمدّ انعدام العتب على «مؤرّخ» هاوٍ ظلت نظرته إلى تاريخ بلده قاصرة حسيرة، محرَّفة ومحرِّفة؛ حولاء، باختصار، في كلّ حال ومآل. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف السابق فرص نجاح حكومة السودان الجديدة التالي هل باتت الظروف مهيأة للوصول إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store